رؤية فلسطينية لموضوع حق العودة
في مستهل حديثي عن قضية العودة أسمحوا لي أيها الأخوة والأخوات بطرح التساؤل التالي : هل العودة قضية حق أم ضرورة ؟ بمعنى هل العودة... قضية حق تستدعي منا الإثبات والإقناع وتلزمها البحوث والدراسات واللجان والمؤتمرات وينفع معها الرأي العام والقانون والشرعية الدولية.
وهل هي قضية جزئية وبعداً من أبعاد القضية يخص اللاجئين وحدهم.... بمعنى أن انجازها من عدمه يبقى محصوراً أو منحصرا في حدود أصحابها وهم اللاجئون دون أن يتأثر المصير الوطني والقومي جوهرياً.... وهل يمكن إحالتها إلى ملف تفاوضي يحل بالتفاهم والتفاوض والمساومة.
هل تحتمل التأجيل والانتظار، أم أنها القضية العنوان والجوهر، وأنها تطال المصير الوطني والقومي برمته في الصميم وأنها بالتالي تجسد حاجة وضرورة كفاحية وطنية و قومية تستوجب حشد القوى والطاقات دفاعاً عن المصير الوطني والقومي في الجوهر والأساس .
وهل قضية العودة هي شيء آخر غير الصراع التناحري مع الكيان، بوصفه قاعدة عدوان وتحكم وسيطرة على الأمة وشعوبها وأنظمتها وثرواتها وعلى المنطقة بأسرها.
ثمة فرق كبير بين طرح قضية العودة من زاوية كونها ضرورة كفاحية يحتمها أمن المصير الوطني والقومي وبين مقاربتها من زاوية الحقوق.... أياً كانت طبيعة هذه الحقوق تاريخية أم قانونية، فردية أو جماعية وأياً كانت هويتها وطنية أم قومية أم دينية.
دعونا نتوقف قليلاً لمراجعة السؤال واكتشاف تجلياته في الواقع، وكيف أجابت القوى الفاعلة والمسيطرة عربياً في مرحلة ما بعد النكبة، ونشوء دولة الكيان على هذا السؤال. ليس بقصد استعراض التاريخ، وإنما لرصد التداعيات والنتائج والآثار، وبما يفيد ويجيب على احتياجات وتحديات الواقع الراهن.
فقد أدى تجاهل أنظمة وقوى حركة التحرر العربية آنذاك، للضرورة والأولوية الكفاحية لقضية العودة، وتغليبها لخيار الوحدة، ومهام التنمية الوطنية والتحرر من القوى الاستعمارية.... وهي مهام صحيحة بلا شك، على خيار التحرير والعودة، وميلها للتقليل من خطورة الكيان الوليد على أمنها الوطني بالذات، وعلى الأمن القومي برمته، ومقاربتها للموضوع من زاوية الحقوق... وقابلية هذه الحقوق للانتظار و التأجيل، ريثما يتم أنجاز جملة مهام وأولويات، حظيت في نظرها بأهمية أعلى.
أدى هذا الخلل الفادح في ترتيب الأولويات، إلى نتائج كارثية، لم تزل آثارها و مفاعيلها مستمرة حتى اليوم، وهي بهذا أضاعت الفرصة المتاحة آنذاك لإجهاض مشروع الكيان الوليد، ومنحته الفرصة الكافية لتثبيت وجوده وتجاوز حالة الضعف والإرباك، ونقص الطاقة، ومكنته من الاستقرار واستيعاب أعداد هائلة من المستوطنين، وخصوصاً اليهود العرب، بعد أن بدا متنصراً ومستقراً وواعداً.
وأتاحه له الفرصة للانقضاض والوثوب من جديد لتحقيق نصر كاسح وحاسم عام (1967)، وتوجيه ضربة قاسمة لبرنامج وقوى وأنظمة حركة التحرر القومي العربي، سرعان ما أدت إلى انهيارها بعد غياب القيادة التاريخية لهذه الحركة بوفاة الزعيم جمال عبد الناصر، ومن ثم إدخال المنطقة في أتون أزمة عميقة وممتدة حتى اليوم، مكنت المراكز الامبريالية من استعادة سيطرتها وتركيب منظومة سيطرة أمنية، ترتكز إلى تكامل وترابط عضوي بين المركز الصهيوني والمركز النفطي لإدارة المنطقة واستكمال تصفية البعد القومي واحتجاز الأمة في مستنقع الخيار القطري.
وبهذا النصر الكاسح نجح العدو في تقديم نفسه كأداة فاعلة ومجربه وموثوق بمقدرتها على إخضاع المنطقة، وبالتالي التحول من مجرد مشروع أداة مشكوك في مقدرتها إلى أداة فاعلة أثبتت جدواها وفاعليتها، وبالتالي التحول إلى حليف استراتيجي للمراكز الامبريالية والأمريكي القائد على وجه الخصوص .
وبهذا النجاح تمكن من تحقيق الشرط الضروري اللازم استراتيجياً لنموه و تطوره والمتجسد في تكامل بعده اليهودي الخاص كرقعة استيطان أمنه لمشروع الوطن القومي اليهودي، وبين دوره ووظيفته، كأداة عدوان وإخضاع وتحكم استعمارية في المنطقة.
ومن جانب أخر، فقد أدى هذا الخلل الجسيم في ترتيب الأولويات وعجز القوى القومية والوطنية آنذاك، رغم ما توفر لها من شروط النمو والازدهار والانتشار على امتداد مرحلة الخمسينات، عن أدراك وتحديد الأولوية الوطنية والقومية، لبرنامج الكفاح الشعبي المسلح، والعجز عن أدراك جدلية الوحدة والتحرير، إلى إضاعة فرصة كبرى كانت متاحة، لتطوير شكل ومضمون العلاقة الأردنية– الفلسطينية، وحرمانها من اكتساب مضموناً وحدوياً كفاحياً وعمقاً شعبياً ديمقراطياً، كان جديراً أن ينقلها من سياقها التصفوي الالحاقي، وأن يجعل منها نموذجاً وحدوياً، ورافعة كفاحية لوحدة الأمة، و خيار الثورة القومية الديمقراطية.
ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ كما يقال، ولأن المهام الكبرى تبحث دوماً عمن يتصدى لها، وتعبيراً عن موضوعية الصراع، فقد كان طبيعياً. والحال هذه، أن تنتقل المبادرة إلى قوى وفئات جديدة كانت تفتقر للخبرة والتجربة النضالية والعمق السياسي والفكري اللازم لإدارة الصراع، الأمر الذي ستكون له آثاره ونتائجه على مجريات وتطورات الصراع كما أثبتت التجربة اللاحقة.
وقد جاءت انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام (1965)، ثمرة حراك واسع بلغ مدى متقدم بين جموع اللاجئين، حيث يذكر العديد من الباحثين ممن اهتموا بتوثيق تلك المرحلة، وجود ما يقرب من سبعين تنظيماً فلسطينياً، شكلت في قوامها وتفاعلها وانصهارها، بوتقة حركة التحرر الفلسطيني المعاصرة، وجسدت نضج العامل الذاتي وتوثبه، للامساك بزمام المبادرة لأول مرة بعد النكبة، والتصدي لمهمة التحرير والعودة بعد طول انتظار، واعتبار التحرير مهمة راهنة، وليست آجلة، وكان يمكن لهذا الحراك أن يتعمق، ويؤثر في مسارات وخيارات الكثير من أطراف قوى التحرر العربي آنذاك، خصوصاً وأنه قد بدأ يتبلور لدى جزءاً منها على الأقل الميل للمزاوجة بين قضيتي التحرير والوحدة، غير أن زمن الفرصة كان قد انتهى وباتت هزيمة حزيران على الأبواب.
وقد جاء تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بقرار القمة العربية عام (1964)، ليؤكد هذا السياق، فأطراف النظام العربي آنذاك، و بعد أن تأكد لهم التصميم الصهيوني على إنكار الوجود الفلسطيني أساساً وليس فقط رفض القرار 194، وإزاء تنامي المساعي الدولية لإقناع العرب واللاجئين بالتوطين والتعويض بديلاً عن حق العودة وانصراف حركة التحرر وأنظمتها آنذاك عن أولوية التحرير كما سبقت الإشارة، ووضع ما تبقى من الأرض الفلسطينية في الضفة والقطاع تحت ولاية كل من الأردن ومصر، كل ذلك شكل في مجموعه خلفية الخيار العربي بتأسيس منظمة التحرير، كإطار سياسي، يجسد الهوية السياسية والوطنية للاجئين خصوصاً، والفلسطينيين عموماً.واحتواء المخاض المتنامي، وإرهاصات التمرد والثورة في صفوفهم،ويستجيب لتطلعاتهم، وينظم حركتهم السياسية، في أطار منسجم و متناغم مع محصلة واتجاهات السياسة العربية آنذاك.
ويلاحظ وجود مسافة كانت تفصل هذه التنظيمات أو جلها عن منظمة التحرير، والتي تمحورت حول التشكيك في جدية برنامج المنظمة والقلق من البعد الاحتوائي الكامن في طبيعتها الرسمية، وقد تلاشت هذه المسافة لاحقاً بعد هزيمة حزيران، وباتت المنظمة بميثاقها الوطني وإستراتيجيتها الكفاحية الشعبية المسلحة ومؤسساتها وأطرها وفصائلها، هي التجسيد المكافئ للدولة، في التعبير عن الهوية، والوجود الوطني، والتمثيل السياسي الكفاحي للشعب الفلسطيني. ولم تطرح الدولة أبداً كمعبر عن هذا الوجود. وكل المقاربات التي جرت لاحقاً، ولا يزال يتلطى بها البعض، أو يوظفها، حول مسألة الوجود الوطني والهوية والكيانية، بالارتكاز إلى دولة في الضفة والقطاع أن هي إلا مغالطات و توهمات إن أحسنا الظن. وهي في الجوهر، انحرافات وتبريرات ومقايضات، تخدم أصحابها، وهي تنتمي إلى زمن آخر لاحق، غير الزمن الفعلي الذي تبلورت فيه هذه الهوية، كمضمون وعنوان كفاحي، وتحقق فيه هذا الوجود، كوجود سياسي مقاوم. يرى الدولة كمحصلة نهائية وتتويجاً لبرنامج التحرير والعودة، وبديلاً عن كيان الاستيطان والعدوان الصهيوني العنصري، وليس بديلاً عن برنامج التحرير والعودة.
السبت سبتمبر 26, 2009 1:01 pm من طرف قسامي
» شرح وضع صور
الأربعاء سبتمبر 23, 2009 6:24 pm من طرف قسامي
» هام جدان جدان
الأربعاء سبتمبر 23, 2009 6:00 pm من طرف قسامي
» صور أطفال أبطال فلسطين
الأحد سبتمبر 20, 2009 10:19 pm من طرف قسامي
» مجموعة مجوهرات من اللؤلؤ رائعة
السبت سبتمبر 19, 2009 6:40 am من طرف قسامي
» منتدى الابداع
الجمعة سبتمبر 18, 2009 12:20 am من طرف قسامي
» الألعاب النارية/ منقول
الجمعة سبتمبر 18, 2009 12:05 am من طرف قسامي
» صور لبعض تشاو
الخميس سبتمبر 17, 2009 11:53 pm من طرف قسامي
» لعبة السيارات Revolt
الخميس سبتمبر 17, 2009 11:38 pm من طرف قسامي
» من هو أول من وضع قواعد اللغة العربية ؟
الخميس سبتمبر 17, 2009 11:31 pm من طرف قسامي